الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الثاني والتسعين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، والحديث اليوم عن عبادة القلب.
لا شكّ أن عبادة الظاهر يعرفها معظم الناس، وهي موضوع دروس كثيرة في أكثر المساجد، ولكن عبادة القلب مهمة جداً، لأنه إذا استقام القلب استقامت الجـوارح،
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ. ))
[ صحيح الترغيب: خلاصة حكم المحدث: حسن ]
ولأن الله عز وجل يقول:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
(( عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَات، كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ. ))
فالدرس اليوم عن عبادة القلب، وننطلق من قوله تعالى:
﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)﴾
اعبد الله في أعضائك وجوارحك، وكسب مالك وإنفاق مالك، وتربية أولادك وعلاقاتك، وفي أفراحك وأتراحك، وفي حلك وترحالك الظاهر، اعبد الله مخلصاً، والإخلاص عبادة القلب.
قال: هناك عبادة واجبة، فالمتفق على وجوده الإخلاص، والتوكل، والمحبة، والصبر، والإنابة، والخوف، والرجاء، والتصديق الجازم، والنية في العبادة، هذه واجبات عبادة القلب، لابدّ من أن تكون مخلصاً، ولابدّ من أن تتوكل على الله، ولابدّ من أن تُحِبّ الله، وأن تصبر على قضائه وقدره، وأن تُنيب إليه، وأن تخاف منه، وأن ترجو رحمته، وأن تُصَدّق بكلامه وكلام أنبيائه، وأن تنوي في العبادة التقرب إليه، لئلا تكون العبادة عادة.
الفرق بين العبادة والعادة:
الحقيقة الإخلاص شيء والنية في العبادة شيء آخر، نية العبادة تُفرِّقها عن العادة،

الإنسان حينما يألف العبادات يفعلها وكأنها عادات، يفعلها ولا يتأثر بها، يفعلها ولا يرقى بها، فإذا نوى في عباداته التقرب إلى الله عز وجل تكون هذه العبادة كاملة، بل إن بعض الناس يقول لك مثلاً: الصلاة رياضة، والصيام صحة، هذا كلام خطير، لو أنك انبعثت إلى الصلاة من أجل صحة جسدك، إذاً ليس هو عبادة، حينما تصلي هناك نتائج إيجابية كبيرة جداً من الصلاة، أما حينما تنوي بالصلاة أن تُرَيّض جسمك فجعلتها عادة ولم تجعلها عبادة، النية مطلوبة، لذلك علماء العقيدة والفقهاء رجّحوا أن تتلفظ بالنية مع أنها من عمل القلب، ولكن التلفظ بها يُذكِّرك بهذه النية، بل إن السلف الصالح، هل تصدقون كان أحدهم إذا فتح دكانه يقول: نويت خدمة المسلمين، انقلبت تجارته إلى عبادة، طبيب دخل إلى عيادته، إذا قال: يا رب توفِّقني لمعالجة هؤلاء المسلمين وشفائهم من أمراضهم وتقريبهم منك، كأنه يصلي في عيادته.
لو محامٍ دخل إلى مكتبه فقال: يا ربي هيِّئ لي إنساناً مظلوماً يكون صادقاً معي، وأبعدْ عني الإنسان الظالم الذي يريد أن يستخدم علمي ليأخذ ما ليس له،

هذا المحامي مكتبه أصبح مسجداً، أصبحت حرفته عبادة.
لو مدرس لم يربط بين دخله القليل وبين تعليم الطلاب، أي لم يعلِّمهم على قدر معاشه، ليس له علاقة، نوى بحرفته خدمة المسلمين، وتعليم أبنائهم، وأن يكون قدوة لهم، أصبح تدريسه عبادة.
تاجر جاء ببضاعة جيدة، وسعّرها بسعر معتدل، ونوى بها خدمة المسلمين، أصبحت تجارته عبادة، احفظوا هذه الكلمة، المنافق عبادته عادات والمؤمن عاداته عبادات، المنافق عبادته عادات لا قيمة لها، والمؤمن عاداته عبادات، فلذلك كي نميز العبادة عن العادة لابدّ من النية، أنوي أن أصوم رمضان تقرُّباً إلى الله عز وجل، أنا أصلي لأن الله أمرني بالصلاة، ولا أفكر أبداً أن هذه الصلاة تُرَيِّض جسمي، وتُخفف وزني، وتُنَشّطني، هذا بحث آخر.
الفرق بين الإخلاص والصدق:
يوجد معنى دقيق جداً أرجو الله عز وجل أن يوفقني لتوضيحه، قال: هناك إخلاص وهناك صدق؛ الإخلاص ألا يكون المطلوب منقسماً، أي مطلوبك ليس مع عدة جهات، أنت ترضي زيداً وعبيداً وفلاناً وعلاناً وترضي الله، لست مخلصاً، ينبغي أن يكون المطلوب واحداً هو الله، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، أما فلان له عليّ يد يجب أن أرضيه، وفلان قوي أحتاجه في المستقبل سأزوره، وفلان المقصود متعدِّد، فأنت لست مخلصاً، أما المؤمن المقصود هو الله وحده، لا إله غيره، هذا الإخلاص، الإخلاص عدم انقسام المطلوب، أما الصدق عدم انقسام الطلب، أي طالب الآخرة، وطالب الدنيا، وطالب الراحة، وطالب السمعة، وطالب المجد، فالطلب انقسم، فالصدق عدم انقسام الطلب، أما الإخلاص عدم انقسام المطلوب.
الأخطار التي تحدق بالإنسان لا تعدّ ولا تحصى:
أيها الإخوة؛ هذه الواجبات القلبية التي ذكرتها قبل قليل كالإخلاص، والتوكل، والمحبـة، والصبر، والإنابـة، والرجاء، والتصديق الجازم، والنية في العبادة، هذه واجبات القلب، نحن ألِفنا أن نفعل واجبات الجسد، وقد يضيق قلبنا، قد لا نسعد ببعض عباداتنا لأننا أهملنا عبادة القلب، الآن طبيعة الحياة المعاصرة فيها أخطار، أخطار صحية، هناك تلوث عام، هناك أخطار السير، هناك أخطار أن تُتهم بتهمة أنت بريء منها، يوجد سيوف مسلّطة على الإنسان، هكذا شاءت حكمة الواحد الديّان، فالتوكل يُريحك من هذا الضغط، أما لو لم تكن متوكلاً ممكن إنسان يقود مركبته وهو نائم فيسبب لإنسان آخر عجزاً كل حياته، نائم، مثلاً لو أردت أن تُعدِّد الأخطار التي تُحْدِق بالإنسان لا تُعدّ ولا تُحصى، أي مثلاً-وهذا الكلام أنا أسوقه لكم لحكمة أريدها-ممكن عامل بمطعم من أرقى المطاعم، من أنظف المطاعم، يوجد عنده موظف، ممكن يكون هذا الموظف يحمل فيروس التهاب الكبد الوبائي، هذا مرض قاتل، وليس مريضاً لكنه يحمل هذا الفيروس، ويكفي ألا يبالغ في تغسيل يديه عقب دخوله للحمام فيصيب ثلاثمئة إنسان من رواد هذا المطعم بمرض التهاب الكبد الوبائي، أنت ما عملت شيئاً، دخلت إلى مطعم، وأكلت طعاماً حلالاً، ودفعت ثمنه من كسبك الحلال، فهذا خطر، أي الأخطار التي تهدد الإنسان ولاسيما في هذا العصر لا تُعدّ ولا تحصى، إذا دخل ابنه إلى الحمام، وفي أرض الحمام ماء، ولم يلبس حذاء، أو شيئاً برجله، ومسك التيار الكهربائي يموت فوراً، مئتان وعشرون مع الماء التيار مميت، ممكن بخطأ ابنه يموت، فهناك أخطار كبيرة جداً، كيف نسعد مع هذه الأخطار؟ بالتوكل، الأمر بيد الله، أنا آخذ بالأسباب، وانتهى الأمر، وعلى الله الباقي.
الآن الصبر مثلاً من عبادات القلب، منذ يومين أخ كريم سألني: إذا أصيب إنسان بمصيبة وتألم منها، هل هذا الألم يُلغي صبره؟

قلت له: لا، نحن بشر، وتجري علينا كل خصائص البشر، فالإنسان إذا فقد ابنه يتألم ألماً شديداً، وهذا الألم لا يُلغي صبره، ذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام حينما مات ابنه بكى،
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: يَا بْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضي رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ. ))
هذا الكلام الدقيق، فالإنسان قد يتألم لضيق مادي، وقد يتألم لمرض مؤلم، وقد يتألم لولد فقده، هذا الألم لا يلغي الصبر، أما الصبر أن تقول: الحمد لله رب العالمين.
الآية التي تبين منزلة الصبر عند الله:
الإمام أحمد يقول: ذُكِر الصبر في تسعين موضعاً من القرآن، أنا قلت مرة: يوجد رواتب عالية جداً، الطيّار أحياناً في بعض البلاد يتقاضى ثمانمئة ألف في الشهر، وأكثر، يوجد مدراء تنفيذيون لشركات عملاقة راتبهم الشهري أربعة ملايين، يوجد عندنا راتب أكبر من هذا؟ يوجد راتب أكبر هو شيك مفتوح يعبئ به ما يريد، هل هذا المعنى ورد في القرآن؟ نعم ورد، في قوله تعالى:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾
أنت حينما تصبر ابتغاء وجه الله، والله هناك آية كريمة يقرؤها الإنسان يقشعر جلده، لما ربنا قال:
﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)﴾
الإنسان أحياناً يُصاب بمصيبة؛ يشكو ويبكي ويصيح ويتشكى ويتبرم، وما هذه الحياة؟! ولا يعاش، يأتي إنسان آخر معه مصيبته أشد تراه ساكتاً.

والله أنا أخ طبيب حدثني عن قصة لعلي ذكرتها لكم؛ مستشفى، دخل لها مريض معه ورم خبيث في أمعائه، يبدو مؤمناً، قال لي: عجيب! كلما دخل عليه زائر، يقول له: اشهد أنني راض عن الله، يا ربي لك الحمد، قال لي: وجهه منير، لا يوجد صياح، مع أن آلام الورم الخبيث في الأمعاء لا تُحتمل، يُعطى مسكنات من أعلى نوع، قال لي: والله لا يصيح، وجهه منير، قال لي: إذا قرع الجرس يتهافت الأطباء على خدمته، ما من واحد دخل إلى غرفته إلا وشعر بالراحة، مع أنه مصاب بمرض خبيث، قال لي: رائحة الغرفة عطرة، أي خدمته من أعلى ما يكون، كلامه طيب، مستبشر، وبعد يومين توفاه الله عز وجل على أحلى حال، قال لي: لحكمة بالغة بالغة أرادها الله عز وجل جاء بعده مريض بهذه الغرفة، مصاب بالمرض نفسه، لم يدع نبياً إلا وسبّه، يا لطيف، وجه أسود مكفهر، نفسية غريبة جداً، كلام قاس، كلام كفر، فإذا قرع الجرس لا أحد يدخل عليه، من شدة رائحة غرفته التي لا تقابل، وبعد يومين توفي المريض، فالأطباء في المستشفى والممرضون رأوا نموذجين لمرض واحد، وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. ))
وليس ذلك لغير المؤمن، فللصبر في القرآن الكريم تسعون موضعاً.
لكن هناك صبر جميل،
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: اشْتَكَى ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ قَالَ فَمَاتَ، وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ، فَلَمَّا رَأَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، هَيَّأَتْ شَيْئًا وَنَحَّتْهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: كَيْفَ الْغُلَامُ؟ قَالَتْ: قَدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَرَاحَ، وَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ، قَالَ: فَبَاتَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ مِنْهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا، قَالَ سُفْيَانُ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَوْلَادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ. ))
أرادت أن تنسيه تعبه وأن تلعده عن هذا الخبر المؤلم، هذا صبر.
كيف يتخلص العبد من السخط على قضاء الله وقدره؟
هناك إنسان أعرف رجلاً مات ابنه في الخامسة عشرة فترك الصلاة وكأنه ارتدّ عن الدين، لماذا قبضه الله عز وجل؟ فالصبر دليل الرضا، السخط حرام، ولا خلاص منه إلا بالرضا، لذلك قال تعالى:

﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)﴾
الإمام الشافعي كان يمشي وراء إنسان يطوف حول الحرم، قال الرجل: يا ربي هل أنت راض عني؟ فقال له الإمام الشافعي: وهل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك؟ قال: يا سبحان الله من أنت؟ أنا أرجو رضاه وتقول: أنا أرضى عنه؟ كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه!؟ قال: يا هذا إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله، والبطولة أن ترضى عن الله في الامتحان، أن ترضى عن الله في المصيبة، أما أن ترضى عن الله وأنت في بحبوحة فهذا شيء بديهي لا يُقدِّم ولا يؤخِّر، وفي الأثر: من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ رباً سواي.
والإنسان بمجرد أن يقول: الحمد لله رب العالمين، فقد نجح في الامتحان، والصبر عند الصدمة الأولى، الصبر مع تلقي الخبر، لكن بعد حين سوف تصبر مقهوراً، هناك عوام لهم كلمات والعياذ بالله، كلمات شيطانية، يقولون لك: ما بعد الصبر إلا المجرفة والقبر، هذا شيطان يتكلم.
أما الصبر عند الله: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ قال تعالى:
﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)﴾
﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾
إلهٌ يأمرنا أن نصبر، يأمرنا أن نرضى بقضائه وقدره، هذا النبي الكريم الذي قال الله عنه: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ .
من عبادة القلب التوكل، والتوكل فيه أمر، قال تعالى:
﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)﴾

أحياناً يقول لك أخ: خائف، تعبد من؟ تعبد من بيده كل شيء، وهذا الإله العظيم الذي تعبده ألا تعتقد أنه يحميك؟ ألا تعتقد أنه يدافع عنك؟ ممكن شاب دُعِي إلى الخدمة الإلزامية، تعامل مع رتبة أعلى منه بقليل، وهددَّته هذه الرتبة، وكان أبوه قائد الجيش، معقول أن يبكي؟ معقول أن ينخلع قلبه من الخوف؟ معنى ذلك أن بعقله خللاً، إذا والده قائد الجيش، وإنسان صغير جداً لا يزن جناح بعوضة أمام والده هدده، فإذا بهذا الشاب ينهار ويخاف ويبكي، معنى هذا يوجد بعقله خلل، أنت تعبد الله، والله بيده كل شي، بيده الأقوياء، وبيده كل أسباب الأمراض، وبيده السلامة، وبيده السعادة، وبيده الغنى، مع الإيمان بالله ليس هناك شقاء يا إخوان أبداً، أكبر سلاح هو سلاح الدعاء، بالدعاء أنت مع الله، أنت تستفيد من قدرة الله، ومن عِلم الله، ومن رحمة الله، ومن فضل الله، ليس مع الإيمان شقاء يا إخوان أبداً، هذا الإيمان فيه سعادة، سمِّها إن شئت سكينة، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، والله عز وجل قادر أن يهبك السعادة، وأنت في أصعب الأحوال، وأنت على الشوك، أساساً أين وجد السعادة أهل الكهف؟ في الكهف، كانوا في القصور أووا إلى الكهف فنشر الله لهم من رحمته، أي رحمة الله مع الكهف أعظم بكثير من حَجب رحمته وأنت في بيت فخم، رحمة الله وأنت على سرير المرض أفضل بكثير من حجب رحمة الله عنك وأنت في صحة تامة، رحمة الله وأنت في الفقر أفضل بكثير من أن تُحجَب عنك رحمته وأنت في الغنى، قضية دقيقة جداً، قال تعالى:
﴿إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا﴾ إذًا أيضاً التوكل أيضاً من عبادات القلب.
كذلك الإنابة، قال تعالى:
﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)﴾
أمر إلهي، ارجع إليه، المؤمن له مرجعية، أعظم مرجع هو الله عز وجل، يحاسب نفسه: يا ربي هل أنت راض عني؟ هل لي عمل لا يرضيك؟ هل هناك خطأ لا أعرفه يا رب؟ هل تحبني؟ هل أنت راض عن سلوكي؟ هل أنت راض عن معاملتي للخلق؟ أقم معه علاقة، ناجِه، والله لا أنسى هذا الأخ الكريم الذي جاءني، قال لي: كنت عند طبيب غير مسلم، طبيب نفسي، حدّثته عن قصتي، وعن مشكلتي النفسية، وأنا أُعالج عنده، قال لي: قال لي هذا الطبيب: أنت مشكلتك أنك تشعر أن الله لا يحبك، فلابدّ من أن تناجي ربك، ولابدّ من أن تستغفره، ولابدّ من أن ترضيه، وإذا سلكت هذا المسلك شُفيت من مرضك، عَجِب! وهذا كلام حق، أنا ليس عندي حالة صحة نفسية إلا بالقرب من الله عز وجل، إذًا أُمرنا أن نتوكل عليه: ﴿إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ وأَمرنا بالإنابة إليه، فقال: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ وأمرنا بالإخلاص فقال:
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)﴾
الآن الخوف من الله من عبادات القلب، ويا موسى خف ثلاثاً؛ خفني، وخف نفسك، وخف من لا يخافني، أبعد إنسان عن الله هو الذي لا يخاف الله، وخف من لا يخافني، طبعاً الذي لا يخاف الله أحمق ومحدود ومطبوع على قلبه، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)﴾
اسمحوا لي أيها الإخوة؛ أن أضع بين أيديكم هذه الحقيقة وأنتم في أمس الحاجة إليها في علاقاتكم اليومية، وفي بيعكم، وشرائكم، وفي تعاملكم مع كل الجهات القوية، أنا أعتقد أنه مستحيل وألف ألف مستحيل أن تخاف منه فيما بينك وبينه ثم يُخيفك من أحد خلقه، دقِّق في هذه الكلمة: مستحيل وألف ألف مستحيل أن تخافه فيما بينك وبينه ثم يُخيفك من أحد خلقه، أما إن لم تخفه فيما بينك وبينه وتجاوزت حدك لابدّ من أن يُخيفك من أحد خلقه تأديباً لك، أنت إذا خفت من الله خافك كل شيء، وإن لم تخف من الله أخافك من كل شيء، ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ قال تعالى:
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)﴾
﴿ أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)﴾
﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)﴾
العلاقة الطردية والعكسية في القلب:
هناك علاقات بالقلب رائعة، يقولون: هناك علاقة طردية وعكسية؛ العلاقة الطردية إذا زاد ألف زادت باء، هذه علاقة طردية، العلاقة العكسية إذا الألِف زادت نقصت باء، نأتي بمثل؛ نقطتان نقطة بينهما، فإذا اتجهت بهذه النقطة إلى اليمين إذا قلّت هذه المسافة، بالمقابل زادت هذه المسافة عن اليسار، إن اتجهت بها إلى اليسار فقلَّت مسافة اليسار زادت مسافة اليمين، هذه اسمها: علاقة عكسية، أما العلاقة الطردية كلما ارتفعت نسبة الملح في الطعام ارتفعت نسبة الضغط، علاقة الضغط مع الملح علاقة طردية، كلما زدت من الملح ارتفع ضغطك، وكلما قلَّلت من الملح انخفض ضغطك، هذه علاقة طردية، إذاً يوجد عندنا علاقة طردية وعلاقة عكسية، يبدو أن بين بعض الصفات وبين نتائجها علاقة عكسية، أي إذا افتقرت إلى الله أصبحت غنياً، عكس، إذا خِفت من الله أصبحت آمناً، إذا أعلنت جهلك أمام الله أصبحت عالماً، إذا تبرّأت ممن حولك أصبحت محفوظاً من الله عز وجل، الله عز وجل أكثر الصفات معه علاقة عكسية، كلما ازددت تواضعاً لله زادك عزاً، كلما ازددت افتقاراً له زادك قوة، لذلك قال بعض العارفين:
وما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقري أدفع
الصدق أيضاً من عبادات القلب، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾
والمحبة أيضاً من عبادات القلب، لذلك قال سيدنا عمر: تعاهد قلبك.
الرضا جاء في القرآن مدْح أهله والثناء عليهم، وفي الحديث المعروف
(( عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن استطعت أن تعمل الرضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن مع الصبر على ما تكره النفس خيراً كثيراً. ))

ورد أيضاً بالأثر: إذا أحببت عبدي ابتليته، فإذا صبر اجتبيته، فإذا شكر اقتنيته، أي ممكن أب يؤدب ابنه، وبعد هذا التأديب يأتي ابنه ويقبِّل يد أبيه، يقول له: جزاك الله خيراً عن هذا التأديب؟ هذا يكون ابناً نادراً جداً، من أندر الأولاد، هكذا المؤمن يسوق الله له مصيبة وقد تؤلمه، لكنه في سجوده يقول: يا ربي لك الحمد، لأنك تذكرتني، العوام لهم كلمات بليغة جداً، تذكر الله لك رحمة، أي ضمن العناية المشددة.
انظر إلى طبيب وجد مع إنسان التهاب معدة حاداً، يعطيه تعليمات شديدة جداً، لا مواد تحرق، ولا مواد حامضية، لبن، تفاح وحليب فقط، إذا وجد معه ورماً خبيثاً منتشراً يتساهل معه، يقول له: كُلْ ما شئت.
شهد الله أيها الإخوة؛ وهذه الحقيقة مهمة جداً، لما ربنا يؤدِّبك معنى ذلك أنت داخل بالعناية المشددة، ولما ربنا يهملك معنى هذا المرض خطير جداً، بعبارة أخرى: إذا الله عز وجل ساق لك مصيبة فهذه محض رحمة منه، محض اهتمام، لذلك الصحابة الكرام يشكرون الله على المصيبة، يا ربي لك الحمد، قال الشاعر:
لئن ساءني أن نلتني بمساءة فقد سرَّني أني خطرتُ ببالك
معنى هذا أنا ضمن اهتمامك يا ربي، هذه حالة نفسية عالية جداً.
أيها الإخوة؛ الرضا والسخط، أعلى مرتبة من عبادات القلب ان ترضى عن الله، وأسوأ مرتبـــة من حالات القلب أن تسخط على الله عز وجل، الصبر من دون رضا بينهما، أعلى شيء الرضا، وأسفل شيء السخط، وبينهما الصبر من دون رضا.
العلاقة بين الرضا والألم:
هناك أناس أشكل عليهم العلاقة بين الرضا وبين الألم، قد تتألم وأنت راض عن الله، تماماً كما أن المريض الذي يشرب الدواء المر وهو راض عنه، لأنه سبب صحته، كما أن المسلم يصوم رمضان في أيام الصيف، وهو يعطش عطشاً لا حدود له، ويجوع جوعاً شديداً، ومع ذلك راض عن الله في هذا الصيام، فالألم لا يتناقض مع الرضا، هذه ناحية مهمة جداً.
بقي شيء الرضا ينبغي أن ترضى عن قضاء الله وقدره، وينبغي أن ترضى عن أمره التشريعي، أي الصلاة ينبغي أن ترضى بهذه الفريضة، الصوم، الحج، الزكاة، لو كان هناك ازدحام، لو كان هناك حر، لو كان هناك إنفاق، فينبغي أن ترضى عن أمره التكليفي، وينبغي أن ترضى عن أمره التكويني، الرضا هنا نوعان: عن قضاء الله وقدره، وأن ترضى عن أمره التكليفي.
أيها الإخوة؛ ثم إن الخشوع في الصلاة من عبادات القلب، الخشوع في الصلاة،
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنَمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فَأَخَفَّ الصَّلَاةَ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ قُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ خَفَّفْتَ، قَالَ: فَهَلْ رَأَيْتَنِي انْتَقَصْتُ مِنْ حُدُودِهَا شَيْئًا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنِّي بَادَرْتُ بِهَا سَهْوَةَ الشَّيْطَانِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا. ))
[ تخريج المسند لشعيب: صحيح ]
(( وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها. ))
(( عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه كُنَّا جلوسًا عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فدَخَلَ رَجُلٌ فصلَّى، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُراعيهِ ولا يشعُرُ، فلمَّا فَرَغَ جاء فسلَّم على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لم تُصَلِّ، فرَجَعَ فصلَّى، ثم جاء فقال له: ارجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لم تُصَلِّ، فلمَّا كانتِ الثانيةُ أو الثالثةُ قال: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لقدِ اجتَهَدتُ فعَلِّمْني، فعلَّمَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ممَّا يَفعَلُه في صَلاتِه. ))
[ تخريج الطحاوي في شرح مشكل الآثار: صحيح
]
الآن وقفة سريعة عند معاصي القلب، تحدثنا عن عبادات القلب، والآن الحديث عن معاصي القلب، الرياء، المحرمات؛ الكِبر، والرياء، والعجب، والحسد، والغفلة، والنفاق، فالكبائر الكِبر، والرياء، والعجب، والخيلاء، والفخر، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والفرح والسرور بأذى المسلمين، والشماتة بمصيبتهم، ومحبة أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وحسدهم على ما آتاهم الله من فضله، وتمني زوال ذلك عنهم، وتوابع هذه الأمور، شيء خطير، كبائر القلب كبائر مهلكة.

مرة ثانية: الرياء موقفان ظاهر وباطن، خلوة وجلوة، معلن وخفي، العُجب، الكِبر، الفخر، الخيلاء، القنوط من رحمة الله، يقول لك: انتهوا المسلمين، أي الله لا علاقة له، أعداؤهم أنهوهم، هذا كلام فيه يأس من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والفرح والسرور بأذى المسلمين، والشماتة بمصيبتهم، ومحبة أن تشيع الفاحشة فيهم، وحسدهم على ما آتاهم الله من فضله، وتمني زوال ذلك عنهم، وتوابع هذه الأمور.
ويوجد عندنا كبائر ظاهرة، الباطنة مُهلكة، الكبائر الظاهرة يمكن أن يتوب الإنسان منها، أما الكبائر الباطنة مُستحكِمة.
الآن صغائر المحرمات، شهوة المحرمات وتمنيها، ما فعلَها لكن يتمناهـا، هذه معصية، معصية القلب، شهوة البدعة فسق، شهوة الكبائر معصية، إن تركها مع القــدرة عليها أُثيب، وإن تركها عجزاً بعد بذله مقدوره في تحصيلها استحق عقوبة فاعلها.
أيها الإخوة الكرام؛ هذه بعض عبادات القلب، وبعض المعاصي الكبيرة منها والصغيرة المتعلقة بالقلب، سيدنا عمر كان يقول: تعاهد قلبك، وبدأت درسي بقوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ وبدأت درسي بقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)) وعباداته المحبة والصدق والإخلاص والتوكل والرضا، ومعاصيه الكبيرة المُهلكة الكِبر والاستعلاء والرياء، وما إلى ذلك ونعوذ بالله من أمرض القلب، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يهبنا قلباً سليماً.
الملف مدقق